سورة الأحزاب - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} أيْ تُؤخِّرها وتتركُ مضاجعتَها {وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} وتضمُّ إليكَ مَن تشاءُ منهنَّ وتُضاجعها أو تطلِّق مَن تشاءُ منهنّ وتُمسك مَن تشاءُ. وقرئ: {تُرجىء} بالهمزةِ والمعنى واحدٌ. {وَمَنِ ابتغيت} أي طلبتَ {مِمَّنْ عَزَلْتَ} طلَّقتَ بالرَّجعةِ {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} في شيءٍ مَّما ذُكر وهذه قسمةٌ جامعةٌ لما هو الغرضُ، لأنَّه إمَّا أنْ يطلِّقَ أو يمسكَ فإذا أمسكَ ضاجعَ أو تركَ وقسمَ أو لم يقسم، وإذا طلِّق فإمَّا أنْ يخلِّيَ المعزولةَ أو يبتغيَها. ورُوي أنَّه أَرْجى منهنَّ سَوْدةَ وجُويريةَ وصفيَّةَ وميمُونةَ وأمَّ حبيبةٍ فكانَ يقسمُ لهنَّ ما شاءَ كما شاءَ وكانتْ ممَّا آوى إليهِ عائشةُ وحفصةُ وأمُّ سلمةٍ وزينبُ. وأرجَى خمْساً وآوى أربعاً، ورُوي أنَّه كان يُسوِّي بينهنَّ مع ما أُطلق له وخُيِّر، إلا سودَة فإنَّها وهبتْ ليلتَها لعائشةَ رضي الله عنهنَّ وقالتْ: لا تُطلِّقْني حَتَّى أُحشرَ في زُمرةِ نسائكِ {ذلك} أي ما ذُكر من تفويضِ الأمرِ إلى مشيئتِك {أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمِآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي أقربُ إلى قُرَّةِ عُيونهنَّ ورضاهنَّ جميعاً لأنَّه حكمٌ كلُّهنَّ فيهِ سواءٌ ثمَّ إنْ سَوَّيتَ بينهنَّ وجدنَ ذلكَ تفضُّلاً منكَ وإنْ رجَّحت بعضهنَّ علمنَ أنَّه بحكمِ الله فتطمئنَّ به نفوسُهنَّ وقرئ: {تُقِرَّ} بضمِّ التَّاءِ ونصب أعينهنَّ وتُقَرُّ على البناءِ للفعمولِ وكلهنَّ تأكيدٌ لنونِ يرضينَ. وقرئ بالنَّصبِ على أنَّه تأكيدٌ لهنَّ {والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ} من الضَّمائرِ والخواطرِ فاجتهدُوا في إحسانِها {وَكَانَ الله عَلِيماً} مُبالغاً في العلمِ فيعلمُ كلَّ ما تُبدونَهُ وتُخفونَهُ {حَلِيماً} لا يُعاجلُ بالعقوبةِ فلا تغترُّوا بتأخيرِها فإنَّه إمهالٌ لا إهمالٌ.


{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء} بالياءِ لأنَّ تأنيثَ الجمعِ غيرُ حقيقيَ ولوجودِ الفصلِ. وقرئ بالتاء {مِن بَعْدُ} أي من بعدِ التِّسعِ وهو في حقِّه كالأربعِ في حقِّنا. وقالَ ابنُ عبَّاسٍ وقَتَادةُ: من بعدِ هؤلاء التَّسعِ اللاتِي خيرتهنَّ فاخترنَك وقيلَ من بعد اختيارِهنَّ الله ورسولَه ورضاهنَّ بما تؤتيهنَّ من الوصلِ والهُجرانِ.
{وَلاَ أَن تَبَدَّلَ} أي تتبدلَ بحذفِ إحدى التَّاءينِ {بِهِنَّ} أي بهؤلاءِ التِّسعِ {مِنْ أَزْوَاجٍ} بأنْ تُطلقَ واحدةً منهنَّ وتنكحَ مكانَها أُخرى. ومنْ مزيدةٌ لتأكيدِ الاستغراقِ أرادَ الله تعالى لهنَّ كرامةً وجزاءً على ما اخترنَ ورضينَ فقصرَ رسولَه عليهنَّ وهنَّ التِّسعُ اللاتِي تُوفَّي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهنَّ وهُنَّ: عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ، وحفصةُ بنتُ عمرَ، وأمُّ حبيبةٍ بنتُ أبي سُفياتَ، وسَوْدةُ بنتُ زَمْعَه، وأمُّ سلمةَ بنتُ أبي أُميَّة، وصفَّيةُ بنتُ حُيَى بنِ أخطبَ الخَيْبريَّةُ، وميمونةُ بنتُ الحارثِ الهلاليَّةُ، زينب بنتُ حجشٍ الأسديَّةُ، وجُريريةُ بنتُ الحارثِ المصطلِقيةُ. وقالَ عكرمةُ: المعنى لا يحلُّ لك النِّساءُ من بعدِ الاجناسِ الأربعةِ اللاتِي أحللناهنَّ لكَ بالصِّفةِ التي تقدَّم ذكرُها من الأعرابياتِ والغرائبِ أو من الكتابياتِ أو من الإماءِ بالنِّكاحِ ويأباهُ قولُه تعالى: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} فإنَّ معنَى إحلالِ الأجناسِ المذكورةِ إحلالُ نكاحهنَّ فلا بدَّ أنْ يكونَ معنى التبدلِ بهنَّ إحلالَ نكاحِ غيرِهنَّ بدلَ إحلالِ نكاحهنَّ وذلكَ إنَّما يُتصوَّرُ بالنَّسخِ الذي ليسَ من الوظائفِ البشريَّةِ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} أي حسنُ الأزواجِ المستبدلةِ وهو حالٌ من فاعلِ تبدلَ لا من مفعولِه وهو من أزواج لتوغله في التنكيرِ قيل تقديرُه مفروضاً إعجابُك بهنَّ وقد مرَّ تحقيقُه في قولِه تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} وقيل: هي أسماءُ بنتُ عُميسٍ الخَثعميَّةُ امرأةُ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ أي هي ممَّن أعجبَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسنُهنَّ. واختُلف في أنَّ الآيةَ محكمةٌ أو منسوخةٌ قيل: بقولِه تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} وقيل: بقولِه تعالى إنَّا أحللنَا لكَ. وترتيبُ النُّزولِ ليس على ترتيبِ المُصحفِ وقيل بالسنَّة وعن عائشةَ رضي الله عنها ما ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أحلَّ له النِّساءُ. وقالَ أنسٌ رضي الله عنه: ماتَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ على التَّحريم. {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثناءٌ من النِّساءِ، لأنَّه يتناولُ الأزواجَ والإماء وقيل: منقطعٌ {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء رَّقِيباً} حافظاً مُهيمناً فاحذرُوا مجاوزةَ حدودِه وتخطِّي حلالِه إلى حرامِه.


{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى} شروعٌ في بيانِ ما يجبُ مراعاتُه على النَّاسِ من حُقوقِ نساءِ النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إثرَ بيانِ ما يجبُ مُراعاتُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منَ الحقوقِ المُتعلقةِ بهنَّ. وقولُه تعالى {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} استثناءٌ مفرَّغٌ من أعمِّ الأحوالِ أي لا تدخلُوها في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ كونِكم مأذوناً لكم، وقيل: من أعمِّ الأوقاتِ أي لا تدخلُوها في وقتٍ من الأوقاتِ إلا وقتَ أنْ يُؤذنَ لكُم وردَّ عليهِ بأنَّ النُّحاةَ نصُّو على أنَّ الوقوعَ موقعَ الظَّرفِ مختصٌّ بالمصدرِ الصَّريحِ دُونَ المؤولِ لا يُقال آتيكَ أنْ يصيحَ الدِّيكُ وإنَّما يقالُ آتيكَ صياحَ الدِّيكِ. وقولُه تعالى {إلى طَعَامٍ} متعلَّقٌ بيؤذنُ بتضمينِ معنى الدُّعاءِ للإشعارِ بأنَّه لا ينبغِي أنْ يدخلُوا على الطَّعامِ بغيرِ دعوةٍ وإنْ تحققَ الإذنُ كما يُشعر بهِ قولُه تعالى {غَيْرَ ناظرين إناه} أي غيرَ منتظرينَ وقتَهُ أو إدراكَه وهو حالٌ من فاعلِ لا تدخلوُا على أنَّ الاستثناءَ واقعٌ على الوقتِ والحالِ معاً عندَ مَنْ يُجوزه أو من المجرورِ في لكُم. وقرئ بالجرِّ صفةً لطعامٍ فيكون جارياً على غيرِ مَن هُو له بلا إبرازِ الضِّميرِ ولا مساغٍ له عند البصريينَ. وقرئ بالإمالةِ لأنَّه مصدرٌ أنَى الطعامَ أي أدركَ. {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا} استدراكٌ من النَّهيِ عن الدُّخولِ بغيرِ إذنٍ وفيهِ دلالةٌ بيِّنةٌ على أنَّ المرادَ بالإذنِ إلى الطَّعامِ هو الدَّعوةُ إليهِ {فَإِذَا طَعِمْتُم فانتشروا} فتفرقُوا ولا تلبثُوا لأنَّه خطابٌ لقومٍ كانوا يتحيَّنون طعامَ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فيدخُلون ويقعدُون منتظرين لإدراكِه مخصوصةً بهم وبأمثالِهم وإلاَّ لمَا جازَ لأحدٍ أنْ يدخلَ بيوتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإذنٍ لغيرِ الطَّعامِ ولا اللبثِ بعد الطعامِ لأمرٍ مُهمَ {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} أي لحديثِ بعضِكم بَعضاً أو لحديثِ أهلِ البيتِ بالتَّسمعِ له. عطفٌ على ناظرينَ أو مقدَّرٌ بفعلٍ أي ولا تدخلُوا ولا تمكثُوا مستأنسين الخ.
{إِنَّ ذَلِكُمْ} أي الاستئناسُ الذي كنتُم تفعلونَهُ من قبل {كَانَ يُؤْذِى النبى} لتضييقِ المنزَّلِ عليهِ وعلى أهلِه وإيجابِه للاشتغالِ بما لا يَعنيه وصدِّه عن الاشتغالِ بما يعنيهِ {فَيَسْتَحِى مّنكُمْ} أي من إخراجِكم لقولِه تعالى {والله لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ الحق} فإنَّه يستدعِي أنْ يكونَ المستحى منه أمراً حقَّاً متعلِّقاً بهم لا أنفسَهم، وما ذلك إلا إخراجهم فينبغي أنْ لا يُترك حياءً ولذلك لم يتركْه تعالى وأمرَكم بالخروجِ. والتَّعبيرُ عنه بعدم الاستحياءِ للمشاكلةِ. وقرئ: {لا يستحِي} بحذفِ الياءِ الأُولى وإلقاءِ حركتِها إلى ما قبلَها. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} الضَّميرُ لنساءِ النبيِّ المدلولِ عليهنَّ بذكرِ بيوتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ {متاعا} أي شيئاً يُتمتَّعُ بهِ من الماعونِ وغيرِه {فاسئلوهن} أي المتاعَ {مِن وَرَاء حِجَابٍ} أي سترٍ.
روُي أنَّ عمرَ رضي الله عنه قالَ يا رسولَ الله يدخلُ عليكَ البرُّ والفاجرُ فلو أمرتَ أمَّهاتِ المؤمنينَ بالحجابِ فنزلتْ. وقيلَ: إنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان يَطعمُ ومعه بعضُ أصحابِه فأصابتْ يدُ رجلٍ منهُم يدَ عائشةَ رضي الله عنها فكرِه النبيُّ ذلكَ فنزلتْ {ذلكم} أي ما ذُكر من عدمِ الدُّخولِ بغير إذنٍ وعدم الاستئناسِ للحديثِ عند الدُّخولِ وسؤالِ المتاعِ من وراءِ حجابٍ {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي أكثرُ تطهيراً من الخواطرِ الشَّيطانيَّةِ.
{وَمَا كَانَ لَكُمْ} أي وما صحَّ وما استقامَ لكُم {أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} أي أنْ تفعلُوا في حياتِه فعلاً يكرهه ويتأذَّى به {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} أي بعدَ وفاتِه أو فراقِه {إِنَّ ذَلِكُمْ} إشارةٌ إلى ما ذُكر منْ إيذائِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ونكاحِ أزواجهِ من بعده وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإيذانِ ببُعدِ منزلتِه في الشرِّ والفسادِ {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} أي أمراً عظيماً وخطباً هائلاً لا يُقادر قدرُه. وفيهِ من تعظيمِه تعالى لشأنِ رسولِه صلى الله عليه وسلم وإيجابِ حُرمتِه حيَّاً وميِّتاً ما لا يخفى ولذلكَ بالغَ تعالى في الوعيدِ حيثُ قال:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10